کد مطلب:187329 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:261

و سلاحه البکاء (25)
عندما ینهار السد یتحول الماء الهادئ الی سیل تفقد الأشیاء فیه استقرارها و ثباتها، فالأرض تهتز تحت الأقدام أصابها زلزال و البحر أمواج غاضبة، و السماء مكفهرة مخزونة بالبرق و بالرعود. لم یعد هناك شی ء ثابت، كل الأشیاء تهتز بشدة. أصابها مس من الجنون. لم یعد هناك معقول و لا غیر معقول، كل شی ء مستباح أمام خیول الغازی یزید.

هتف ابن غسیل الملائكة و قد التف حوله أهل یثرب:

- أخشی أن تمطرنا السماء بالحجارة... انه رجل ینكح امهات الأولاد و البنات و الأخوات و یشرب الخمر حتی یدع الصلاة.

همس أحدهم متأسفا:

- و قتله الحسین سبط محمد و سبی نسائه و عیاله من بلد الی بلد.

قال ابن حنظلة:

- أجل والله لأقاتلن حتی لو لم یبق معی أحد.

كانت السماء تنوء بغیوم شتائیة و الریاح تهب من ناحیة الشمال؛



[ صفحه 94]



و الأرض حبلی بالحوادث، و الأنباء تتری عن جیش قوامه ثلاثون ألف شامی یزحف باتجاه المدینة المنورة یحمل فی طوایاه الویل و الثبور.

الغیوم السوداء تعبر السماء كسفن تعصف بها ریح غاضبة.

یثرب تستعد للمواجهة و قد انبری الرجال لحفر الخندق من جدید فالأحزاب قادمون؛ و انطلق رجال من أهل المدینة الی مناهل المیاه فی طریق الشام یملأونها قطرانا فقد یعرقل ذلك اندفاع القوات الزاحفة.

قال أحدهم و هو یفكر فی لحظة المواجهة:

- و بنو امیة فی المدینة. انهم خطر یهددنا فی كل ساعة، عددهم یربو علی الألف.. فماذا نفعل؟

أجاب آخر:

- نجلیهم عن دیارنا.

- اذن سوف یدلون العدو علی نقاط الضعف فی المدینة.

- نأخذ علیهم العهد و المیثاق.

- و متی كان هؤلاء یعرفون للعهد حرمة و للمواثیق اجلالا؟

- لیس أمامنا الا أن نقتلهم أو الجلاء.

- الجلاء أفضل اذن.

وصلت الجیوش «وادی القری» و كانت السماء تبكی بصمت.

قال قائد الجیش و كان مسرفا لابن عثمان:



[ صفحه 95]



- ماذا وراءك و أشر علی.

- لا أستطیع، قد أخذ علنیا العهد و المیثاق أن لا ندل علی عورة أو نظاهر الغزاة.

شعر المری بالحقد یعصر قلبه:

- لولا انك ابن عثمان لضربت عنقك... اخرج.

و التفت الی ابن مروان و قال بجفاء:

- هات ما عندك.

أجاب ابن مروان و قد تحفز فی أعماقه «الاسخریوطی»

- نعم أنا أدلك..

و أردف و هو یشرح له خطة الغزو:

- انطلق بالجیش الی «ذی نخلة» لتكون فی مكان تحشد فیه جنودك فاذا طلع الفجر اجعل المدینة علی یسارك ثم در بها حتی تصل «الحرة» فی جهة الشرق، ثم ازحف علیهم مع شروق الشمس.

نظر المری الی ابن مروان متفحصا و عیناه الكلیلتان تسألانه عن جدوی ذلك.

قال حفید الزرقاء مستأنفا:

- فاذا أشرقت الشمس فستكون فی خلف جیشك و فی عیون المدینة و ستؤذیهم فلا تجعلهم یرون سوی بریق السیوف و الرماح تبهر عیونهم و تلقی الوهن فی قلوبهم.

صفق قائد الجیش متحمسا:



[ صفحه 96]



- لله أبوك أی امرئ ولد!

أشرقت الشمس ذلك الیوم حمراء حمراء كعین حمئة، و قد انقشعت السحب فاذا السماء زرقة صافیة كبحر فیروزی اللون.

نهضت ثلة من المهاجرین و ثلة من الأنصار، ولكن أنی لهؤلاء الوقوف بوجه الطوفان القادم من دمشق.

و اشتعلت المعارك و بدت السیوف وسط الغبار. بروق تتقاتل فی الأرض، و أضحت «الحرة» معراجا للأرواح التی اختارت الحریة، و كانت أسراب الجراد تفتك فی حقل ملئ بسنابل خضر. و قبل الغروب انهار السد البشری و ردم الخندق فاذا مدینة محمد فی مهب اعصار فیه نار.



[ صفحه 97]